الجمعة، 3 أكتوبر 2014

الجندر ( النوع الإجتماعي ) الرجال والنساء وإعادة فهم النص المقدس




الجندر ( النوع الإجتماعي ) الرجال والنساء وإعادة فهم النص المقدس
 
 (( مصارف الزكاة محصورة في ثمانية أصناف . والأصناف الثمانية قد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى : ﴿ [ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ] لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ] وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [ التوبة : 60 ]. و " إنما " التي صدرت بها الآية أداة حصر ، فلا يجوز صرف الزكاة لأحد أو في وجه غير داخل في هذه الأصناف )) [ الموسوعة الفقهية الكويتية ] وتعريف (( المؤلفة قلوبهم في الاصطلاح : هم الذين يراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام ، أو تقريراً لهم على الإسلام ، أو كف شرهم عن المسلمين ، أو نصرهم على عدو لهم ، ونحو ذلك )) [ الموسوعة الفقهية الكويتية ] وقد كان يدفع لهذا الصنف في العهد النبوي وفي عهد الخليفة الثاني ولكن (( من المواقف المذكورة ، في تاريخ عمر بن الخطاب ( ر) ، أنه لم يقبل أن يعطي من الزكاة نصيباً للمؤلفة قلوبهم ، وقال : لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام ، وأغني عنكم ، فإن أسلمتم ، وإلا فالسيف بيننا وبينكم . .... وقد يرد على ها أن المؤلفة قلوبهم كانوا موجودين فعلاً على عهد عمر ، وهم الذين كان رسول الله (ص) قد تألفهم ، فعمر منعهم مع وجودهم ، فلا يقال إذن إن عدم الإعطاء لعدم وجود الصنف ، وإنما هو لمعنى مصلحي قدره عمر ، وهو أن إعطاء المؤلفة قلوبهم حكم معلل بحاجة الإسلام إلى التأليف ، فإذا انتفت علته انتفى لأن الحكم المعلل ، يدور مع علته وجوداً وعدماً . قد يرد علينا هذا ، وربما كانت عبارة عمر المروية في هذا الشأن وهي قوله : " إن الله قد أعز الإسلام وأغنى عنكم " مؤيدة لها الإيراد ....)) [ محمد محمد المدني ، نظرات في فقه الفاروق عمر بن الخطاب ] .
لقد اختلف المجتمع من كونه مجتمع بسيط وصغير بحاجة لصرف الصدقات على من يتألف قلوبهم أو يتقي شرهم ، إلى مجتمع كبير يملك دولة فانتفت علة الصرف لهم ، والأحكام تدور مع علتها . والسؤال المتبادر للذهن : هل الأمر خاص بهذا الحكم وخاص باجتهاد عمر ( ر)  ، أم أن هناك أمور أخرى وآيات تتعلق بالأحكام وهي خاصة بحالة معينة وبمعرفة العلة يرتبط الحكم بعلته ، وحين توجد العلة يقع الحكم وحين تنتفي العلة يتم إيقاف الحكم ؟ ! .
عند دراسة أنواع الجنس المحرم " الفواحش " نقع على هذه الآية ﴿ وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَــــ ــاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [ النساء : 15-17] تم شرح هذه الآية بالتفصيل في الكتاب الثاني " أنواع الجنس المحرم " ، لكن يمكننا أن نختصر القول بأن هذه الآية تحدد عقوبة الممارسات الجنسية للعزاب الذين لم يحصنوا بعقد نكاح كان عقد نكاح زواج أو ملك يمين ، والفواحش الخاصة بالنساء الغير محصنات : ﴿ وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ ﴾ هي : ممارسة الجنس بمقابل مادي = البغاء ، ممارسة الجنس دون مقابل مادي = المخادنة أو المسافحة ، ممارسة الجنس مع المثل = الأنثى مع الأنثى . والفواحش الخاصة بالرجال الغير محصنين  ﴿ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ﴾ وهي : ممارسة الجنس ذكر مع أنثى ، ممارسة الجنس ذكر مع ذكر ، إذ لم تعرف تلك المجتمعات وجود ممارسة الرجال للجنس بمقابل بحيث هو من يحصل على المال " بغاء للرجال " . وشرط إيقاع العقوبات وجود 4 شهود وإن ذكر في حالة النساء فأغنى عن إعادة ذكره في حالة الرجال ، والتوبة تقبل من كل من يختار طريق التوبة وإن ذكر في حالة الرجال فإنه أغني عن ذكره في حالة النساء وتابعت الآيات الحديث عن التوبة .
العقوبة التي تقع على النساء هي ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ والإمساك في البيت لا يعني الإقامة الجبرية ولكن كما في قوله تعالى عن الزوج الذي يطلق زوجته ﴿ الطلاق مرتان [ فإمساك بمعروف ] أو تسريح بإحسان ﴾ [ البقرة : 229 ] فالإمساك يقصد به عودة الزوجة لبيت الزوجية وتحت إشراف ورعاية الزوج ، وفي حالة فاحشة النساء الإمساك في البيت يقصد به عودتها إلى إشراف ورعاية الأسرة أو إشراف ورعاية من ينوب عنهم ، والقول حتى يتوفاهن الموت هو في لغة العرب تهديد تم استدراكه بالقول ﴿ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ والسبيل هو التوبة المذكور في الآيات أو أن يتم إحصانها . وعقوبة الرجال هو ﴿ فَآذُوهُمَا ﴾ والأذى يعني الأذى المعنوي والنفسي ولا يقصد به الضرر الجسدي ﴿ لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ﴾ [ آل عمران : 111 ] فالضرر للجسد والأذى للنفس ، وقد طبق عمر بن الخطاب ( ر ) الأذى المنصوص عليه في هذه الآية : (( كان عمر يرى أنه ليس في اللواط حد معين ، وأن أمر العقوبة فيها يخضع لاجتهاد القاضي ، فهو يقدر العقوبة الرادعة ... في مصنف عبدالرزاق أن أول من اتهم بالأمر القبيح – أي اللواطة – على عهد عمر ، فأمر عمر بعض شباب قريش ألا يجالسوه .)) [ محمد رواس قلعه جي :  موسوعة فقه عمر بن الخطاب ] . فالعقوبة تعزيرية في حالة الإمساك في البيت للنساء أو الأذى المعنوي للرجال .
نعود للشاهد من ذكر تلك التفاصيل السابقة ، لماذا اختلفت العقوبة فيما بين الرجال والنساء ؟! : كانت عقوبة النساء الإمساك في البيت وهي أصلاً في ذلك المجتمع تبقى في البيت وإمساكها وبقائها تحت إشراف الأسرة يناسب حالتها ووضعها ووظيفتها الاجتماعية ، بينما لو جعلت تلك العقوبة للرجل فتلك مشكلة ، لأن الرجل في ذك المجتمع هو المعني بالخروج من البيت في طلب الرزق والمسؤول عن الإنفاق ، لذا كانت العقوبة تناسب حالته ووضعه ووظيفته الاجتماعية فكان الأذى المعنوي سواء بالتشهير أو المقاطعة أو التوبيخ كما في بعض كتب التفسير . وسميت النساء بهذا لتأخرهن وبقاؤهن في البيت قال تعالى ﴿ زين [ للناس ] حب الشهوات من [ النساء ] والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ﴾[ آل عمران : 14 ]  الناس تشمل الذكور والإناث والنساء جمع نسيء هنا تعني شهوة كل متأخر وحديث ولا تعني النساء جمع المرأة . وسمي الرجال بذلك لخروجهم على أرجلهم لطلب الرزق وقال تعالى ﴿ وأذن في [ الناس ] بالحج يأتوك [ رجالاً ] وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾ [ الحج : 27 ] الناس تشمل الذكور والإناث ورجالاً تعني راجلين يمشون على أرجلهم غير الذين يأتون على مركوب .  ويبقى السؤال : ماذا لو تغيرت الوظائف والأدوار الاجتماعية فيما بين الرجال والنساء ؟ ! فكان الرجل هو العاطل عن العمل والذي يبقى في البيت ، والمرأة هي العاملة ومن ينفق على الأسرة ؟! فهل يجب تغير الحكم لتغير علته .
الحديث عن الرجال والنساء يفتح لنا باب الحديث عن مصطلح " الجندر " والذي يعني النوع الاجتماعي ، وتعريفه بحسب عصمت حوسو : (( الجندر : الكلمة غربية ، هو غربي المظهر شرقي الجوهر الملامح ، في بداية ظهوره في التسعينات رفض من المجتمعات العربية ، لأنه دائما نرفض الشيء الجديد ، وقبل أن يفهموا فحوا المفهوم وعلى ماذا يتحدث . فتم تعريبه وكانت هناك محاولات عديدة للتعريب ، بعد ذلك اتفق وتم الإجماع باعتباره " النوع الاجتماعي " الذي يقابل " النوع البيولوجي " ، بمعنى : أننا نولد ذكور وإناث بيولوجياً ، ولكن نتنشأ من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ومؤسساتها ابتداءً من الأسرة مروراً  بالمؤسسة التعليمية والإعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة ، فنتنشأ ونصبح رجال ونساء ، نحن لا نولد رجال ونساء ، لأنه نتعلم أدوارنا كيف نمتثل إلى الأنوثة كنساء وكيف نمتثل إلى الذكورة كرجال ، فالجنس هو ذكر وأنثى بيولوجياً ، الفروق البيولوجية بين الجنسين ، أما الجندر هي الفروق من حيث الأدوار والمكانة الإجتماعية وهي مكتسبة . فالجنس على الأقل في ثقافتنا العربية موضوع ثابت غير متغير ، بينما الجندر موضوع متغير يواكب مستجدات الحياة . فأدوار المرأة الآن اختلفت عن أدوار المرأة سابقاً ، اختلاف الأدوار يؤدي إلى اختلاف المكانة ، اختلاف الحقوق ، اختلاف الواجبات بين الجنسين . فالجندر هو مفهوم النوع الإجتماعي الذي يقابل النوع البيولوجي والذي يتم اكتسابه ويختلف من ثقافة إلى أخرى ويتغير عبر الزمن ، نحن نتغير بالأدوار نتغير بالسلوك نتغير بمظاهر الحياة التكنولوجية والمادية ، ولكن من حيث الاتجاهات ومفاهيمنا عن أنفسنا وعن الجنس الآخر مازالت بنفس الطريقة )) .
من خلال هذا التعريف فإن ما هو متوقع من الرجال في بيئة ووفق ثقافة وتربية ومعارف يختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر وكذلك الأمر للنساء ، فعلى سبيل المثال ينتظر من النساء في السعودية أن تغطي وجهها بينما ينتظر من الرجال عند الطوارق أن يغطي وجهه ، وبينما عند بعض الشعوب الرجال من يدفع المهر ، عند شعوب أخرى النساء من يدفع المهر ، وهناك شعوب أخرى يشترك الرجال والنساء في المهر . فتعريف الوظيفة والدور والنوع الاجتماعي للرجال أو النساء هو أمر متغير .
نعود للنص المقدس ومفهوم الرجال والنساء كما يشرح سامر إسلامبولي  (( " كلمة (رَجَل) في اللسان العربي تدل على فعل يصدر من الكائن الذي يتحرك بصورة مستمرة  مع بذل الجهد بصورة لازمة. ومن هذا الوجه يقال للراكب : تَرجَّل. بمعنى النزول عن مركوبه والسير على قدميه. .. ويقال للإنسان ( ذكراً أو أنثى) رَجُل، إذا كان في شؤون حياته يعتمد على نفسه، فالأنثى العاملة والمنتجة هي رجل في معيشتها، ويقال لها الرَّجُلة في لسان العرب. .. إذاً؛ كلمة (رجل) لا علاقة لها بنوع الإنسان ذكراً أو أنثى!، وإنما علاقتها بالفاعلية منهما.   لنرى استخدام القرآن لكلمة (رجل):
-  أتت كلمة (رجل) بمعنى الذكور البالغين العاملين:
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }الأحزاب40
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }الأعراف81
لو كان القصد إتيان الذكور فقط لأتت كلمة (ذكور) أو الأولاد الذكور ! ، ولكن بمجيء كلمة (رجال) أفادت الذكور البالغين العاملين، وخرج من مفهومها الإناث البالغات بدلالة مجيء كلمة (نساء) التي دلت على المتأخرين من نوع الإناث البالغات حسب السياق المتعلق بالممارسة الجنسية. ....))

فالرجال مدلولها اللغوي يعني الذي يخرج للعمل و المستقل مادياً والقادر على الإنفاق ، بينما النساء يعني مدلولها اللغوي التي تتأخر في البيت و الغير مستقله مادياً والتي يتم الإنفاق عليها ، وهنا نلاحظ نص القوامة وعلاقته بالإنفاق فيقول أحمد عمارة : (( يظن البعض أن صفات الرجال يشار بها للذكور وأن صفات النساء يشار بها للإناث ، فرق شاسع بين الذكور والإناث ، وبين الرجال والنساء . الرجال والنساء صفات ، الذكور والإناث جنس ، هناك ذكور نساء ، وهناك إناث رجال ، وبالطبع هناك ذكور رجال وهناك إناث نساء . قانون كوني أخبرنا الله إياه ، ليس أمرا بأن نفعله نحن وإنما إقرارا وتوكيدا أن هذا سيحدث في كل زمان ومكان . هذا القانون هو : الرجال قوامون على النساء . انظر من حولك في كل بقاع الدنيا ، لو وجدت أسرة فيها الذكر حامل لصفات النساء ، والأنثى حاملة لصفات الرجال ، ستجد الأنثى هي من تقود البيت وتسيرة ، هنا تولت القوامة طبيعيا وفق هذا القانون الكوني . ولو وجدت أسرة فيها الذكر حامل لصفات الرجال والأنثى حاملة لصفات النساء ستجد الذكر هو من يقود البيت ويسيره ، هنا تولى القوامة طبيعيا وفق هذا القانون الكوني .... الذكر عندما يساعد الأنثى (زوجته) في أعمال البيت ويتقمص لفترات دور النساء في العناية بالأطفال أو بالطبخ أو تنظيف المنزل هو من خير الناس (خيركم خيركم لأهله) ، والأنثى عندما تساعد الذكر (زوجها) في أعماله فتتقمص لفترة دور الرجال في الخروج والسعي لإنهاء بعض الأمور الخارجية الهامة التي هي من دور الذكور هي من خير الناس (خيركم خيركم لأهله)..))

 وإلى هذا يشير سامر إسلامبولي : (({الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء34 ، ذكر النص الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء، ولم يذكر الذكور قوامون على الإناث، ولو حصل ذلك لانتهى النقاش وظهر لنا المعنى تماماً!.
 فمن خلال استحضار احتمالات معاني كلمة الرجال والنساء التي مرت آنفاً، ينبغي أن نبحث عن قرينة في النص لتحديد المقصد منهما؟ يوجد في النص جملة (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، والتفضيل لا يمكن أن يكون خلقاً كما ذكرت سابقاً من حيث أن الذكر والأنثى كلاهما إنسان لا تفاضل بينهما قط، مما يدل على أن التفضيل اكتسابي من خلال المجتمع، وذلك يتعلق بما اكتسب الإنسان في حياته من الثقافة والوعي، وذلك تحت متناول يد الإنسان سواء أكان ذكراً أم أنثى. { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر9
 ونلاحظ وجود جملة (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، والأموال لا تأتي مع الإنسان ولادة، وإنما تأتي اكتساباً من العمل والجهد أو الوراثة، فالإنسان في الأسرة (ذكراً أو أنثى) الذي يملك المال إضافة للوعي يملك القرار والقيادة. فمن خلال القرينتين – الوعي والمال- يكون دلالة كلمة الرجال والنساء من نوع المقامات الاجتماعية، بمعنى أن الرجال هم الفئة من الناس ذكوراً كانوا أو إناثاً، جناًّ أو إنساً إذا امتلكوا الوعي والمال صار بيدهم زمام الأمور، واكتسبوا مقام القوامة على الصنف الآخر الذي هو من فئة النساء بعمومها المتأخرين سواء بالوعي أم بالمال، أم بسبب ظروف فرضت عليهم التأخر عن القيام بشؤون أنفسهم.))
قد لا يستسيغ البعض أن توصف الأنثى بالرجل ، وقد يسخر البعض من هذا القول كما سخروا من توكل كرمان حينما قالت : (( المرأة خرجت يا أخي أو الرجل الأنثى ، المرأة خرجت بدورها التقليدي الذي كان ينظر فيها على أنها ضحية ، هي الآن قائدة وهي الآن مخلص وهي الآن منقذ ، فالرجل ذكراً كان أو أنثى الآن في هذه المرحلة ، ما الذي قدمه ..)) وهي لا تقصد أن الأنثى أصبحت ذكراً ، لكنها قامت بدور ووظيفة الرجل اجتماعياً أي ما يعرف في تلك المجتمعات أنه دور الرجل ، وفي كتب التراث  واللغة يقبل أن يقال أن المرأة رجلة بمعنى أنها تقوم بدور الرجل ، وقيل عن عائشة ( ر ) رجلة ، لأنها قامت بدور المحدثة والفقيهة وقائد الجيش ، وفي الثقافة الشعبية يقبل أن يقال أن فلانة أخت رجال بمعنى مواقفها مواقف الرجل الذكر ، والذكر هو المعيار في المجتمعات الذكورية . ونفس المجتمعات مازال في ثقافتها القول بأن فلان ذكر وليس رجل ، بمعنى أنه ذكر نسبة إلى عضوه التناسلي ، ولكنه ليس برجل يحمل صفات وقيم الرجولة .


وهنا نقتبس نص من قلب لسان العرب لابن منظور :
"كما أَن الغالب على الرجال أَنهم الذكور دون الإِناث وإِن كانوا يقولون رَجُلة "

لقد اختلفت عقوبة الفاحشة بحسب الدور والوظيفة والنوع الاجتماعي ، فمن يخرج لطلب الرزق وينفق كانت عقوبته الأذى ومن يبقى في البيت كانت عقوبته الإمساك في البيت وعندما تقوم المرأة بدور الرجل وهي من يخرج لطلب الرزق يقتضي ذلك تغير العقوبة ، كذلك جعلت القوامة للرجال لأنهم هم من ينفق ، وإن تغير هذا الدور والوظيفة والنوع الاجتماعي فكانت المرأة هي الموظفة وهذا ملاحظ في مجتمعنا فهناك نساء ينفقن على والديهن وعلى أسرهن وعلى أزواجهن وبعض الأزواج عاطلين عن العمل ، فالقوامة مرتبطة بالإنفاق .
عند إدراك تلك المفاهيم فإن الأمر يقودنا إلى آية : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ [ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ] مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى ﴾ [ البقرة : 282 ] ، شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل هو أمر خاص في المعاملات المالية ، لكن شهادتها في ميادين أخرى كانت امرأة مقابل رجل ، بل فيما يخص أمر النساء مثل البكارة شهادة امرأة واحدة تكفي . لفهم سياق الآيات فإنها تتحدث عن الدين وكتابته وعن التجارة في مجتمع كانت التجارة حكراً على الذكور العاملين " الرجال "، وفي مجتمع غالبيته أمية ومن يعرف القراءة والكتابة هم قلة من الذكور ، فعندما تحدث السياق عن كون الرجال هم أصحاب التجارة والمعاملات المالية ومن يجيد القراءة والكتابة والعمليات الحسابية ، وكان دور المرأة مغيباً عن هذه المجالات ، لذا كان في حالة عدم وجود رجل آخر للشهادة طلب [ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ]  وهذا كله فيما يخص مجتمع معين وعن الدور والوظيفة والنوع الاجتماعي للرجال والنساء في مرحلة تاريخية محددة . أما اليوم فإن المستوى التعليمي للنساء ربما يفوق الرجال ، بينما هناك من الرجال من لم يكمل تعليمه نجد نسبة كبيرة من النساء أكملن دراساتهن الجامعية . وسوق العمل والتجارة دخلته النساء ولم يتبق أي نشاط إلا وشاركت فيه النساء ، فنعود على ما بدأنا به وكون الأحكام مرتبطة بعلتها ، وأن مفهوم " الجندر " النوع الاجتماعي ومفهوم دور الرجال ودور النساء متغير عبر الزمان والمكان والبيئات . والبقاء على قول شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل في المعاملات المالية أمر يستحق إعادة النظر فيه .
وما سبق ينقلنا للحديث عن آيات أخرى هي  : ﴿ [ وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ] فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا * .... [ لِّلرِّجَالِ ] نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [ وَلِلنِّسَاء ] نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ] فَإِن كُنَّ [ نِسَاء ] فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [[ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ]] مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [[[ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا ]]] أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [[[ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا ]]] أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم [[[ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا ]]] أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ [[ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ]] فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [ النساء : 4 ، 7 ، 11- 12 ] ، يجب الإشارة هنا إلى أن النص المقدس يؤكد دائماً على الوصية ، فالشخص هو من يقسم أمواله كيفما يرغب وبحسب معرفته بأحوال أهله ، ويأتي الإرث كاستثناء في حالة عدم وجود وصية ، ونلاحظ أن [[ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ]] هنا الأبوين لهم السدس بالتساوي فليس للذكورة والأنوثة علاقة ، وكذلك [[ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ]] وهناك حالة واحدة اختلف فيها التساوي في مقابل حالات أخرى تم فيها التساوي بين الذكر والأنثى . فلماذا اختلف الأمر في ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ] فَإِن كُنَّ [[ نِسَاء ]] فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾ لقد سبق هذه الآية آية ﴿ [ وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ] ﴾ فوظيفة الرجل ودوره الاجتماعي في تلك الفترة هو دفع المهر وإيجاد السكن والنفقة والإنفاق على نساء بيته ، بينما المرأة تأخذ المهر وغير مطالبة بالسكن ولا النفقة وليست مطالبة بالإنفاق على أحد وتلك أدوراها ووظيفتها الاجتماعية في ذلك الزمن وتلك البيئة ، وأتى النص للتحذير من مصادرة المهر على النساء ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ﴾ ، فاقتضى السياق أن يكون للولد مثل حظ الأنثيين ، وفق تلك البيئة بينما في بيئات أخرى المرأة من يدفع المهر ، فكيف يتم تكييف أمر الإرث مع هذا الوضع ؟ .  بسبب تغير المجتمعات وتغير الأدوار والوظائف الاجتماعية للرجال والنساء ، فإنه يمكن فهم قول عدنان إبراهيم : (( تشريع الميراث جاء على خلفية اقتصادية تغيرت اليوم ، وتغير معها وضع المرأة ، فيجب أن تتغير النظرة لأحكام المرأة في الميراث مع هذه المتغيرات )) . ومطالبة البعض إعادة النظر في بعض المفاهيم هو طلب لتحقيق العدل ، إذ أن العدل هو رسالة وهدف كل الأنبياء ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [ الحديد : 25 ] ، والقسط هو العدل في الموازين المادية الملموسة .
الخلاصة : فهم النص من فهم مدلولاته ، وفهم السياق الثقافي ومعرفة زمن ومكان نزول النص ، ومفهوم النوع الاجتماعي للرجال والنساء أحد مداخل فهم النص ، التي تجعل إعادة دراسة النص وفتح باب الاجتهاد والتأويل مطلب في غاية الأهمية ، كما فعل عمر بن الخطاب ( ر ) في نص وسهم المؤلفة قلوبهم . [ هذه المادة جزء من فصل الجندر : النوع الاجتماعي من الكتاب الثاني " أنواع الجنس المحرم " من ثلاثية الجنس في الوحي ، سيصدر قريباً على تويتر ] .
أبو إلياس سويد الأحمدي   @sweid1



ليست هناك تعليقات: