الاثنين، 1 سبتمبر 2014

حقيقة الخلوة المحرمة



مسألة الخلوة المحرمة ! 


تم تدريسنا في المناهج قديماً رواية (( لا تبدَؤوا اليهودَ ولا النصارى بالسلامِ . فإذا لقِيتُم أحدَهم في طريقٍ فاضطَرُّوه إلى أضيَقِهِ )) [ رواه مسلم ] ، وقيل لنا أن ذلك حكم شرعي ويجب الامتثال له ، ويجب ألا تبادر بالسلام على اليهودي والمسيحي ، وأحياناً يتم إغفال بقية النص لمصادمته للفطرة السوية ! . بعد دهر من القراءة والبحث عرفت أنه لا وحي إلا النص المقدس المتمثل فيما بين دفتي المصحف الشريف ، وأن ما عداه مجرد تاريخ وسيره وروايات نقلت بالمعنى وتبدلت الألفاظ وتحورت المعاني واستقطعت الكلمات من سياقها وتم التدوين بعد قرون ! فليست تلك المكتوبات مصدر للعقيدة ولا مصدر للتشريع .

لكن ما حكاية " لا تبدَؤوا اليهودَ ولا النصارى بالسلامِ " لقد قام د . حاكم المطيري بدراسة وتتبع أصل الرواية وسياقها ، في بحث بعنوان " الإعلام بدراسة حديث (لا تبدؤوا المشركين بالسلام) " على موقعه الشخصي وذكر تعدد الروايات فمرة تذكر المشركين ومرة أهل الكتاب ومرة اليهود والنصارى ومرة تختص الرواية باليهود ، وخلاصة البحث هي : (( فهذه الأحاديث الصحيحة عن هؤلاء الصحابة كلها جاءت في حادثة خروج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار يهود بني قريضة بعد خيانتهم في غزوة الخندق، فأمر الصحابة أن لا يبدؤوهم بالسلام، وأن يضطروهم إلى أضيق الطريق، لأنهم أهل حرب، وفي رد السلام عليهم بذل للأمان لهم، ففسرت هذه الأحاديث الإجمال الوارد في حديث أبي هريرة الذي لم يشهد الحادثة لكونه أسلم بعدها بسنتين في السنة السابعة للهجرة، بينما حصار بني قريضة بعد الخندق في السنة الخامسة، فليس هذا الحديث على عمومه في المشركين ولا في عموم أهل الكتاب، بل ولا في كل اليهود، ولا على إطلاقه بل هو في حال الحرب مع أهل الحرب، فلا يدخل فيه أهل ذمتنا، ولا المعاهد ولا المسالم من أهل الشرك. )) [www.dr-hakem.com ]

فالمسألة كانت خاصة بيهود بني قريضة الذين خانوا العهد ، فتم إعلان حالة الحرب ، وأمر النبي ( ص ) صحابته بعدم إلقاء السلام لأن السلام يفيد اعطاؤهم الأمان ، وفي حالة الحرب لا أمان لهم ، وإن قام الصحابة بالسلام عليهم وتمرير معنى يفيد الأمان لهم ثم يحدث القتال فذلك يعد غدر ، وهو ما لن يقبله النبي ( ص ) ولا الأخلاق ولا فروسية العربي ، إن من عادة الفارس العربي إن وجد خصمه الذي يطلبه الثأر أن ينبهه ويخبره ويقول له " إني أطلبك " ولا يقتص منه ويأخذ بثأره غيلة أو غدراً .

في موضوع الخلوة ردد على مسامعنا رواية : ((..ألا لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالثَهما الشيطانُ .. )) رواه الترمذي   ، ووردت رواية (( لا يخلوّنّ أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم )) متفق عليه ، فما حقيقة الخلوة ؟ وماهي الخلوة المحرمة ؟ وما هي أصل وسياق الروايات الأصلية ؟ ما أسبابها ومن قصد بها ؟

من خلال البحث عن أصل تلك الروايات المقتطعة من سياقها نجد هذا التناص في هذه النصوص :

نبدأ برواية وجود الشيطان فيما بين الرجل والمرأة [ طبعاً في جميع معاجم اللغة العربية لا يوجد مخلوق اسمه شيطان ، إنما الشيطان صفة للأمور السيئة ] ، كانت الرواية في الترمذي ((ألا لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالثَهما الشيطانُ )) ونجد نفس المعنى بألفاظ أخرى وبتوضيح أكثر لسبب الخلوة وسياق الخلوة :

 في الترمذي أيضاً  ((لا تَلِجوا [ لا تدخلوا ] على المُغيباتِ فإنَّ الشَّيطانَ يجري من أحدِكم مجرى الدَّمِ )) [ و ورد كذلك في فتح الباري لابن حجر و تخريج مشكاة المصابيح ]

يجب تعريف المغيبة هنا : والمغيبة هي من غاب عنها زوجها للجهاد ، وقد تكون الغيبة أيام أو أسابيع أو شهور ، وقد وردت أحاديث أخرى تفيد بعدم الدخول على المغيبة في بيتها :

((إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهانا أنْ ندخُلَ على المُغيَّباتِ )) [صحيح ابن حبان ]

((لا يدخُل رجلٌ بعدَ يَومي هذا على مُغيبةٍ إلَّا ومعَهُ رجلٌ أوِ اثنانِ )) [ مسند أحمد وصحيح مسلم  وصحيح ابن حبان  وصحيح الجامع ]



لماذا التشديد على المنع من الدخول على المغيبة بيتها ؟ هل هناك أسباب محددة ؟ . لقد ورد التهديد والوعيد لمن جلس على فراش المغيبة  :

((مثلُ الَّذي يجلِسُ على فِراشِ المَغِيبةِ مثلُ الَّذي ينهَشُه أسوْدُ من أساوِدِ يومِ القيامةِ )) [ ورد في الترغيب والترهيب والزواجر  والجامع الصغير وصحيح الترغيب  ]

لكن السؤال ما المقصود بالجلوس على فراش المغيبة ؟ فراش بيتها في غياب زوجها الذي ذهب للجهاد ؟ أم فراش الزوجية ؟ !  هناك روايات تشرح الأمر :

((حُرمَةُ نِساءِ المُجاهِدينَ على القاعِدينَ ، كحُرمَةِ أُمَّهاتِهم. وما مِن رجُلٍ منَ القاعِدينَ يَخلُفُ رجُلًا منَ المُجاهِدينَ في أهلِه ، فيَخونُه فيهِم ، إلَّا وقَف له يومَ القيامَةِ ، فيَأخُذُ من عمَلِه ما شاء. فما ظَنُّكم ؟. وفي روايةٍ: فقال: فخُذْ من حسَناتِه ما شِئتَ. فالتفَت إلينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: فما ظَنُّكم ؟ )) [ ورد في صحيح مسلم وصحيح أبي داود وصحيح النسائي و صحيح ابن حبان  ]



فالنص يجعل حرمة المرأة المتزوجة الغائب عنها زوجها للجهاد كحرمة الأم ، والنص يتحدث عن وقوع خيانة وعن الخيانة الزوجية ، وهنا نفهم أن الفراش المقصود هو فراش الزوجية . وقد وقعت حالات زنا بالمغيبات ( وربما يفسر هذا سبب كون العقوبة هي الرجم قبل نزول آية سورة النور وتحديد العقوبة بالجلد مئة أمام الناس ) :

وهذا النص يشير إلى تعدد حالات الزنا بالمغيبات ، قد تكون بضع حالات لكنها كبيرة قياساً على المجتمع الصغير :

(( رأيتُ ماعزَ بنَ مالكٍ حين جيء به إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . رجلٌ قصيرٌ أعضلُ . ليس عليه رداءٌ . فشهد على نفسه أربعَ مراتٍ أنه زنى . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( فلعلَّك ؟ ) قال : لا . واللهِ ! إنه قد زنى الأخرُ . قال : فرجمَه . ثم خطب فقال ( ألا كلما نفَرنا غازين في سبيلِ اللهِ ، خلَف أحدُهم له نبيبٌ كنبيبِ التَّيسِ ، يمنحُ أحدُهم الكُثْبةَ . أما واللهِ ! إن يمكنِّي من أحدِهم لأُنَكِّلَنَّه عنه ) . )) [صحيح مسلم  ] .

وأتى ((ألا كلَّما نفَرنا في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ خلفَ أحدُهُم لَهُ نبيبٌ كنَبيبِ التَّيسِ يمنحُ إحداهنَّ الكُثبةَ أما إنَّ اللَّهَ إن يمَكِّنِّي من أحدٍ منهم إلَّا نَكَلتُهُ عنهنَّ )) [ ورد في صحيح أبي داود وصحيح ابن حبان و صحيح الجامع ]



ونلاحظ معنى ((إن يمكنِّي من أحدِهم لأُنَكِّلَنَّه عنه  / إن يمَكِّنِّي من أحدٍ منهم إلَّا نَكَلتُهُ عنهنَّ ))  فالرجم قد يكون لأسباب مجتمعة : فالسبب الأول الرجل لم ينضم للجهاد وبقي في المدينة مع أن مجتمع المدينة صغير والجيش بحاجة لكل الطاقات ، ثم لم يكف شره ولم يكن إنساناً مسالماً ويحفظ ما تركه المجاهدين فيكون هو الحارس الحافظ ، بل قام بالزنا بزوجة أحد المجاهدين : فالأمر يشبه الخيانة العسكرية : فلا هو الذي جاهد بل ترك وقعد ، ولا هو الذي حافظ على الأمن بل كان هو من أخل بالأمن ، بل غدر واعتدى على زوجة مجاهد . وإذا علم المجاهدين بمن يتربص في نسائهم حين غيبتهم للجهاد يصبح الأمر مدمر لمعنويات الجيش .



وعمر بن الخطاب (ر) له شأن خاص مع المغيبات :

1-      ((وكان ينهى أن يدخل على النساء أحد من الرجال إلا ذو رحم محرم ، فقد قال لا يدخل على امرأة مغيبة – غاب عنها زوجها – إلا ذو محرم ، ألا وإن قيل حموها ؟ إلا وإن حموها الموت ، وقال مرة : لا يدخل رجل على مغيبة ، فقام رجل فقال : إن لي أخاً ، أو ابن عم ، خرج غازياً وأوصاني بأهله ، فأدخل عليهم ؟ قال : فضربه عمر بالدرة ثم قال : إذن كذا ، إذن دونك ، وقم على الباب لا تدخل ، فقل : ألكم حاجة ؟ أتريدون شيئاً ؟  )) [قلعه جي ،  موسوعة فقه عمر بن الخطاب ، ص343 - 344  ]

#لاحظ أن رواية : (( لا يخلوّنّ أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم )) شرحها عمر بقوله : (( قال لا يدخل على امرأة مغيبة – غاب عنها زوجها – إلا ذو محرم )) . ولاحظ أيضاً تخصيص عمر الأمر بالمغيبات وكيف جعل الكاتب الأمر عام (( وكان ينهى أن يدخل على النساء أحد من الرجال إلا ذو رحم محرم )) . ولاحظ أيضاً أن هذا النص (( فقد قال لا يدخل على امرأة مغيبة – غاب عنها زوجها – إلا ذو محرم ، ألا وإن قيل حموها ؟ إلا وإن حموها الموت )) تم اختزاله وحذف سياقه وتعميمه وهو منسوب في مواضع أخرى للرسول ( ص ) : (( إياكم والدخولَ على النساءِ . فقال رجلٌ من الأنصارِ : يا رسولَ اللهِ ! أفرأيتَ الحموَ ؟ قال : الحموُ الموتُ )) [ ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم ]

2-      ((ومما روي عن عمر (ر) ويدل على تحذيره (ر) من الدخول على المغيبات الذين غاب أزواجهن في الجهاد لما في ذلك من الاختلاء من مظنة وقوع الفاحشة أو دواعيها .

روي عن عمر ر أنه قال : لا يدخل على امرأة مغيبة ، فقام رجل فقال : إن خالاً لي ، أو ابن عم لي خرج غازياً ، وأوصاني بأهله ، فأدخل عليهم ، فضربه بالدرة ، ثم قال : ادن كذا ، ادن كذا ، وقم الباب ، لا تدخل ، فقل : ألكم حاجة ؟ أتريدون شيئاً ؟ ...)) [ آل عيسى ، دراسات نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب ، ج 2 ، ص 928 – 929 ]

3-      ((في حديث عمر [ رضي الله عنه - ] ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرا وِساده عند امرأة مُغزِية يتحدث إليها وتتحدث إليه عليكم بالجنبة فإنها عَفاف إنما النساء لحم على وضم إلا ما ذُبّ عنه . قال الكسائي والأصمعي وغيرهما : قوله : مُغزِية يعني التي قد غَزا زَوجُها يقال : قد أغْزت المرأة إذا كان زوجها غازياً وهي مُغْزِية ; وكذلك أغابت فهي مُغِيبة إذا غابَ زوجُها ومثل هذا [ في - ] الكلام كثير . وقوله : الجنبة يعني الناحية يقول : تنحوا عنهن وكلّموهن من خارج الدار ولا تدخلوا عليهن وكذلك كلّ من كان خراجاً قيل : جنبه )) [الهروي أبو عبيد : غريب الحديث (3: 353 ): www.islamport.com ]

4-       ((.. استمرت " مشكلة المغيبات " بعد وفاة محمد فقد قرأنا في خلافة عمر ما يدل على ذلك : ( روى أبو حفص عن زيد بن أسلم قال : بينما عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة تقول : تطاول هذا الليل واسود جانبه ... وطال عليّ ألا خليل ألاعبه والله لولا خشية الله وحده ... لحرك من هذا السرير جوانبه. ( وفي رواية لزلزل ) فسأل عمر عنها فقيل له : هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى زوجها فأقفله ، بعدها كتب إلى أمراء الأجناد : لا تحبسوا رجلاً عن امرأته أكثر من أربعة أشهر ) .

إرسال ابن الخطاب امرأة إلى المتشوقة لزلزلة السرير مقصود منه مراقبتها حتى يؤوب زوجها خشية أن تدفعها النزعة العارمة إلى خدن أو خليل يزلزل بها سريرها بعد أن طالت غيبة زوجها ولو كان عمر يثق فيها لما فعل ذلك وإرساله الرقيبة يرجع إلى معرفته بأحوال " المجتمع اليثربي " ...

أما سبب توقيت مدة غيبة الزوج بأربعة شهور فمرده أنه سأل النسوة عن المدة التي تصبر فيها المرأة عن المجامعة فأجبته : أربعة أشهر – الأشهر الأربعة هي الحد الأقصى لا الحد الأدنى ...)) [ خليل عبدالكريم ، مجتمع يثرب ، ص 83 – 84 ]



#قبل أن نعود للحديث عن الخلوة لابد من ذكر شيء من الثقافة الشعبية الغير مكتوبة ، والتي يعرفها بعض طبقات المجتمع والتي لا تقال في المجالس المفتوحة ولا تكتب في الكتب ، وعلى القارئ تحمل الصياغة التالية ! :

سابقاً ورد النهي عن الدخول على بيت المغيبة الغائب عنها زوجها للجهاد ، والمنع كان لأسباب تخص الحذر من وقوع خيانة زوجية ، وقد وقعت أحداث سببت هذا التحفظ ، فالخلوة هي ذهاب رجل إلى بيت سيدة غاب عنها زوجها وهو يعلم بالغياب وتكون نيته سيئة ، وفي حال وجود طرف ثالث يدخل معه بيت المغيبة تنتفي الخلوة .

طبعاً الذهاب إلى بيت المغيبة والاختلاء بها في غياب زوجها ولهدف المعاشرة الجنسية سيكون في الليل وليس جهاراً نهاراً ، وهذا ما يعرف في التراث العربي المشرقي وفي الجزيرة العربية عند بعض المناطق " التَّبْيِيت " : أي أن يبات عند المرأة كي يعاشرها . وربما " التبييت " يعرف في المناطق الأخرى  أو الدول العربية الأخرى بمسميات مختلفة . ويقال فلان بَيَّتَ فلانه أي نام معها في الفراش ليلاً في بيتها .

 يقول ابن منظور (( .. ويقال بَيَّتَ فلانٌ بني فلانٍ إِذا أَتاهم بَياتاً فكَبَسَهم وهم غارُّونَ وفي الحديث أَنه سُئِل عن أَهل الدار يُبَيَّتُونَ أَي يُصابُون لَيْلاً ..)) [ مادة بيت : لسان العرب ]

نأتي للحديث عن سبب ارتباط " التَّبْيِيت " أو " الخلوة بالمغيبة في بيتها " بالمتزوجة : في أدبيات التراث المشرقي أن إقامة علاقة مع بنت بكر مشكلة ، فسوف يكلفك الأمر إقامة علاقه وتضييع وقت وصرف هدايا وضريبه كبيرة ، وربما لا يتم السماح لك بالمعاشرة الجنسية الكاملة بسبب غشاء البكارة وتمنع الفتاة ، وفي جانب آخر هناك من يعتبر إقامة علاقة مع الفتاة البكر جريمة وخطيئة وتدمير لمستقبلها ومنعها من الزواج إن تمت المعاشرة الجنسية الكاملة وزال غشاء البكارة . فمن باب المروءة والموازين المقلوبة ! فإن إقامة علاقة مع متزوجة أقل جرماً بكثير من إقامة علاقة مع عزباء بكر !!! . هذا بالإضافة إلى كون العزباء يمكن أن تفضح الطرف الآخر ، وكذلك كون العزباء تقع تحت الأنظار والمراقبة بشكل أكبر من غيرها .

أما المرأة المتزوجة فهي الصيد الثمين ! ، ففي الثقافة الشعبية إن من يجد تلك المرأة المتزوجة ويقيم معها علاقة فقد فاز فوزاً عظيماً ، لأنه لن يضطر للمساومة كثيراً ، وسيتمكن من المعاشرة الجنسية الكاملة ، كما أن المتزوجة ليس عليها رقابة بشكل مشدد ، وفي غياب زوجها هي من تستقبل الآخر ليبات معها ليلتها في بيتها . بالإضافة إلى أن تلك العلاقة قد تستمر لسنوات ! .

عبر التاريخ كانت التجمعات صغيرة والقرى متجاورة ، والتبييت غالباً يحدث بإقامة الرجل علاقة مع متزوجة من قرية مجاورة ، وهناك فرق بطبيعة الحال في كون المرأة متزوجة أو أرملة أو مطلقة ، فالأرملة والمطلقة يسعى أقاربها بالتخلص من عارها سريعاً  !  - فالمرأة في نظر ثقافة القبيلة والصحوة وبعض النظرة الدونية للمرأة مشروع عاهرة -  وذلك بتزويجها من أي متقدم : من أي كبير سن ، من أي متعدد ، أو يستر عليها أحد أقاربها بالزواج منها ولا يتركها هكذا بلا زوج أمام القبيلة فيشعر بالعار من وجودها ولو كان تزويجها بالقوة ! . لذلك فإنه في القرى قلما تجد أرملة أو مطلقه ، وإن وجدت فإن كل القرية تجعلها تحت جحيم من المراقبة والحبس والتضييق من كل أفراد القرية بلا استثناء ، بعكس المتزوجة التي ليس لأحد عليها مسؤولية إلا زوجها .  وفي لحظة غيابه تحدث تلك الحالة المسماة بالتبييت أو الخلوة المحرمة بالمغيبة في بيت الزوجية ! ، فاجتمعت الجرائم ، خيانة زوجية في بيت الزوجية وفي فراش الزوج ! .

لذلك فهم معاني تلك الروايات في سياقها الثقافي ، الذي منع من الدخول على المغيبة التي غاب عنها زوجها والذهاب إلى بيتها والإختلاء بها لهذا السبب ، بينما سمح بالذهاب إلى بيت المغيبة إن كان هناك مع الذاهب شخص آخر ، حتى لا يتم الإساءة إلى سمعة صاحبة البيت وحتى لا يظن أن المختلي ذهب لهدف سيء .

وبعض الراويات تذكر مصطلح المبيت عند الثيب صريحة : (( ألا لا يبيتنَّ رجلٌ عند امرأةٍ ثيِّبٍ . إلا أن يكون ناكحًا أو ذا مَحرمٍ )) [صحيح مسلم ] (( لا يَبِيتَنَّ رجلٌ عند امرأةٍ في بيتٍ ، إلا أن يكونَ ناكِحًا ، أو ذا مَحْرَمٍ . )) [صحيح الجامع ]

[ وقد رجح الشيخ [ الألباني ]  لفظ : ( امرأة ثيب ) بدل ( امرأة في بيت ) ، انظر " السلسلة الصحيحة " رقم : 3086 ] [www.dorar.net  ]

وهنا روايات تتحدث عن أن من يفسد امرأة على زوجها ليس منا " ليس بمسلم " ، فالسياق لكل تلك الروايات والأوامر يتحدث عن الاختلاء بمن يغيب عنها زوجها ومن يتحرش بامرأة متزوجه فيفسدها على زوجها :

((ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً على زوجِها وليس )) وورد لفظ ((ومَن أفسَد امرأةً على زوجِها فليس منَّا )) [ ورد في صحيح أبي داود وصحيح ابن حبان والجامع الصغير وصحيح الجامع ] وفي فتاوى الشيخ الفوزان يورده ((جاء في الحديث : ( ملعون من خبب امرأة على زوجها ) [ رواه أبو داود في ( 2/260، 261 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/196 ) بنحوه ] ، ومعناه : أفسد أخلاقها عليه، وتسبب في نشوزها عنه . )) [www.uqu.edu.sa ]



الخاتمة : من النصوص في تحريم الذهاب لبيت المغيبة التي غاب عنها زوجها والاختلاء بها في بيتها لغرض المعاشرة الجنسية ، إلى فتوى أن دخول المصعد الكهربائي خلوة !!! والبقاء مع السائق في السيارة خلوة !!! والتواجد في الطريق مع عابر سبيل دون وجود آخرين أيضاً يعد خلوة !!! :

الخلوة المحرمة هي الذهاب لبيت امرأة متزوجة ، والدخول إلى بيتها بهدف الاختلاء بها ولهدف المعاشرة الجنسية . أما أن تكون المرأة داخل متجر في سوق مع البائع فليست تلك خلوة محرمة ، ولما تكون المرأة مريضة مع طبيب في غرفة في مستشفى فليست تلك خلوة محرمة ، وعندما تكون المرأة موظفة وتعمل في مكتب مع زميل في منشأة عامة فليست تلك خلوة محرمة . وعندما يأتي عامل كهرباء أو عامل سباكة لأهداف واضحه لبيت من يغيب عنها زوجها ليست تلك الخلوة خلوة محرمة . وحتى عندما يأتي غرباء إلى بيت امرأة متزوجة وفي غياب زوجها إن كان معه شخص آخر فالأمر لا يكون خلوة محرمة . تلك خلاصة النصوص والمرويات والتاريخ ، فالأمر خاص بسياق ثقافي خاص ،  ربما ينطبق على بعض المجتمعات ولا ينطبق على مجتمعات أخرى ، بل حتى في نفس المجتمعات وفي بعض المناطق والفترات التاريخية ، كان استقبال المتزوجة للغريب كضيف في غياب زوجها ، يعد مفخرة ومن قيم بعض القبائل ودلالة على كرم الضيافة  . أما النص المقدس في المصحف الشريف فلم يذكر مصطلح ما يسمى الخلوة . [ هذا المقال خلاصة فصل " الخلوة المحرمة " من كتاب " أنواع النكاح "  وهو الكتاب الأول من ثلاثية الجنس في الوحي والتي  ستصدر تباعاً قريباً على تويتر ]

أبو إلياس سويد @sweid1 

ليست هناك تعليقات: